اعمال المصاريف والبنوك

الاقتراض ــــ الإيداع
المصارف والبنوك في الدول الإسلامية على ثلاثة أصناف:


1 ــــ الأهلي: وهو الذي يكون رأس ماله من مال شخص واحد أو أشخاص مشتركين.

2 ــــ الحكومي: وهو الذي يكون رأس ماله مكوّناً من أموال الدولة.

3 ــــ المشترك: وهو الذي تشترك الدولة والأهالي في تكوين رأس ماله.
( مسألة 1 ) : لا يجوز الاقتراض من البنوك الأهلية بشرط دفع الزيادة لأنّه ربًا محرّم، ولو اقترض كذلك صحّ القرض وبطل الشرط، ويحرم دفع الزيادة وأخذها وفاءً للشرط.
وقد ذكر للتخلّص من الربا طرق:
منها:أن يشتري المقترض من صاحب البنك أو من وكيله المفوَّض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية 100% أو 20% مثلاً بشرط أن يقرضه مبلغاً معيّناً من النقد لمدّة معلومة يتفقان عليها، أو يبيعه متاعاً بأقلّ من قيمته السوقية ويشترط عليه في ضمن المعاملة أن يقرضه مبلغاً معيّناً لمدّة معلومة، فيقال: إنّه يجوز الاقتراض عندئذٍ ولا ربا فيه.
 ولكنّه لا يخلو عن إشكال، والأحوط لزوماً الاجتناب عنه، ومثله الحال في الهبة والإجارة والصلح بشرط القرض.
وفي حكم جعل القرض شرطاً في المعاملة المحاباتية جعل الإِمهال في أداء الدين شرطاً فيها.
 ومنها: تبديل القرض بالبيع، كأن يبيع البنك مبلغاً معيّناً كمائة دينار بأزيد منه ــــ كمائة وعشرين دينار ــــ نسيئة لمدّة شهرين مثلاً.
ولكن هذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق غير أنّ صحّته بيعاً محلّ إشكال.
 نعم لا مانع من أن يبيع البنك مبلغاً كمائة دينار نسيئة إلى شهرين مثلاً، ويجعل الثمن المؤجَّل عملة أُخرى تزيد قيمتها على المائة دينار بموجب أسعار صرف العملات بمقدار ما تزيد المائة والعشرون على المائة، وفي نهاية المدّة يمكن أن يأخذ البنك من المشتري العملة المقرّرة أو ما يساويها من الدنانير، ليكون من الوفاء بغير الجنس.
 ومنها: أن يبيع البنك بضاعة بمبلغ كمائة وعشرين ديناراً نسيئة لمدّة شهرين مثلاً، ثم يشتريها من المشتري نقداً بما ينقص عنها كمائة دينار.
 وهذا أيضاً لا يصحّ إذا اشترط في البيع الأول قيام البنك بشراء البضاعة نقداً بالأقلّ من ثمنه نسيئة ولو بإيقاع العقد مبنيّاً على ذلك، وأمّا مع خلوّه عن الشرط فلا بأس به.
 ويلاحظ أنّ هذه الطرق ونحوها ــــ لو صحّت ــــ لا تحقّق للبنك غرضاً أساسياً وهو استحقاق مطالبة المدين بمبلغ زائد لو تأخّر عن أداء دينه عند نهاية الأجل وازدياده كلّما زاد التأخير، فإنّ أخذ الفائدة بإزاء التأخير في الدفع يكون من الربا المحرّم ولو كان ذلك بصيغة جعله شرطاً في ضمن عقد البيع مثلاً.
( مسألة 2 ) : لا يجوز الاقتراض من البنوك الحكومية بشرط دفع الزيادة لأنّه ربًا، بلا فرق بين كون الاقتراض مع الرهن أو بدونه، ولو اقترض كذلك بطل الشرط كما يبطل أصل القرض وإن خلا عن شرط الزيادة، لأنّ البنك لا يملك ما تحت يده من المال ليملّكه للمقترض.
 وللتخلّص من ذلك يجوز للشخص أن يقبض المال من البنك لا بقصد الاقتراض الربوي ويرجع فيه إلى الحاكم الشرعي، وقد أذنّا للمؤمنين مِمَنْ يقبضه كذلك بالتصرّف فيه على أحد وجهين:
 إما بأن يتملّكه من غير عوض، ولا يضرّه عندئذٍ العلم بأنّ البنك سوف يلزمه بدفع أصل المال والزيادة، فلو طالبه بهما جاز له الدفع إليه.
 وإما بأن يحتسبه قرضاً على نفسه، ويكفي عندئذٍ وفاؤه للبنك ذاته وتبرأ ذمّته بذلك، ولا يضرّه العلم بأنّ البنك سوف يلزمه بدفع الزيادة أيضاً، فلو طالبه بها جاز له دفعها إليه.
( مسألة 3 ) : يجوز الإيداع في البنوك الأهلية ــــ بمعنى إقراضها ــــ مع عدم اشتراط الحصول على الزيادة،  بمعنى عدم إناطة القرض بالتزام البنك بدفع الزيادة، لا بمعنى أن يبني في نفسه على أنّ البنك لو لم يدفع الزيادة لم يطالبها منه، فإنّ البناء على المطالبة يجتمع مع عدم الاشتراط، كما يجتمع البناء على عدم المطالبة مع الاشتراط، فأحدهما أجنبي عن الآخر.
( مسألة 4 ) : لا يجوز الإيداع في البنوك الأهلية ــــ بمعنى إقراضها ــــ مع شرط الزيادة، ولو فعل ذلك صحّ الإِيداع وبطل الشرط، فإذا قام البنك بدفع الزيادة لم تدخل في ملكه، ولكن يجوز له التصرّف فيها إذا كان واثقاً من رضا أصحابه بذلك حتى على تقدير علمهم بفساد الشرط وعدم استحقاقه للزيادة شرعاً ــــ كما هو الغالب ــــ.
( مسألة 5 ) : لا يجوز الإيداع في البنوك الحكومية ــــ بمعنى إقراضها ــــ مع اشتراط الحصول على الزيادة فإنه ربًا، بل إيداع المال فيها ولو من دون شرط الزيادة بمنزلة الإتلاف له شرعاً لأنّ ما يمكن استرجاعه من البنك ليس هو مال البنك، بل بحكم المال المجهول مالكه، وعلى ذلك يشكل إيداع الأرباح والفوائد التي يجنيها الشخص أثناء سنته في البنوك الحكومية قبل إخراج الخمس منها، لأنّه مأذون في صرفه في مؤونته وليس مأذوناً في إتلافه، فلو أتلفه ضمنه لأصحابه، هذا إذا لم يقع الإيداع بإذن الحاكم الشرعي مع ترخيصه للبنك في أداء عوض المال المودع مما لديه من الأموال، وأما الإيداع مع الإذن والترخيص المذكورين ــــ كما صدر ذلك منّا للمؤمنين كافّة ــــ فيقع صحيحاً ويجري عليه حكم الإيداع في البنك الأهلي، وأما الزيادة الممنوحة من قِبَل البنك وفق قوانينه فقد أذنّا للمودعين بالتصرّف في النصف منها مع التصدّق بالنصف الآخر على الفقراء المتديّنين.
( مسألة 6 ) : لا فرق في الإِيداع ــــ فيما تقدّم ــــ بين الإِيداع الثابت الذي له أمد خاصّ ــــ بمعنى أنّ البنك  غير ملزم بوضع المال تحت الطلب ــــ وبين الإيداع المتحرّك ــــ المسمّى بالحساب الجاري ــــ الذي يكون البنك فيه ملزماً بوضع المال تحت الطلب.
( مسألة 7 ) : تشترك البنوك المشتركة مع البنوك الحكومية فيما تقدّم من الأحكام، لأنّ الأموال الموجودة لديها يتعامل معها معاملة مجهول المالك، فلا يجوز التصرّف فيها من دون إذن الحاكم الشرعي.
( مسألة 8 ) : ما تقدّم كان حكم الإيداع والاقتراض من البنوك الأهلية والحكومية في الدول الإِسلامية، وأمّا البنوك التي يقوم غير المسلمين بتمويلها ــــ أهلية كانت أم غيرها ــــ فيجوز الإيداع فيها بشرط الحصول على الفائدة، لجواز أخذ الربا منهم.
 وأمّا الاقتراض منها بشرط دفع الزيادة فهو حرام، ويمكن التخلّص منه بقبض المال من البنك وتملّكه لا بقصد الاقتراض، فيجوز له التصرّف فيه بلا حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي.